أهمية الخطابة:
مهمة الخطيب شاقة ولا ريب، مشقةً تُحتِّم عليه أن يستعد الاستعداد الكافي في صواب الفكر وحسن التعبير وطلاقة اللسان وجودة الإلقاء.
إن الخطيب بلسانه ورِقَّة جنانه وتجرُّده يقتلع جذور الشر من نفس المجرم ويبعث في نفسه خشية الله، وحب الحق، وقبول العدل، ومعاونة الناس. إن عمله إصلاح الضمائر، وإيقاظ العواطف النبيلة في نفوس الأمة، وبناء الضمائر الحية، وتربية النفوس العالية في عمل خالص وجهد متجرد، يرجو ثواب الله ويروم نفع الناس.
لا يكاد ينجح صاحب فكرة، أو ينتصر ذو حق، أو يفوز داعية إصلاح، إلا بالكلمة البليغة، والحجة الظاهرة، والخطبة الباهرة.
وثمة جانب في التأثير آخر ينبغي مراعاته، وهو أن تأثير الخطيب في سامعيه ليس بالإلزام أو الإفحام، بل مرده إلى إثارة العاطفة، وحملهم على الإذعان والتسليم، ولا يكون ذلك بالدلائل المنطقية تساق جافة، ولا بالبراهين العقلية تقدم عارية، ولكنه بإثارة العاطفة ومخاطبة الوجدان.
على الخطيب أن يعلم أنه كالخائض غمار معركة، عليه أن يتدرع بدروعها، ويتترس بتروسها، ويلبس لها لأمتها، ولا يكون ذلك إلا بالاستعداد والتهيؤ، وأخذ العدة لكل موقف.
ومن المعلوم أن الخطبة وسائر الأعمال العلمية والأدبية تحتاج إلى أسس ثلاثة:
1ـ قلب مفكر 2ـ بيان مصور 3ـ لسان معبر
فالأول يكون به إيجاد الموضوع وابتكاره وتوليده، وبالثاني تنسيقه وترتيبه ورصه، وبالثالث عرضه والتعبير عنه.
1 - القلب المفكر (الإيجاد والابتكار):
وقد يعبر عنه باختيار الموضوع. من المعلوم أن بواعث الاختيار متعددة، والخطيب كلما كان صادقاً في قصده، مهتماً بجمهوره وسامعيه، جاداً في طرحه، فسوف يحسن الاختيار، ويقدح زناد فكره بجدية نحو الابتكار، يضاف إلى ذلك الظروف المحيطة، والأحوال المستجدة، والأغراض الباعثة، التي تستدعي الحديث عن بعض الوقائع.
2 - البيان المصور ( التنسيق والبيان ):
لا يخفى أن طريق البيان المصور هو الأسلوب.
للأسلوب سلطان لا يضعفه العقل، وأثر لا يمحوه الدليل. الأسلوب ألفاظ وجمل ينطق بها المتكلم ويتحدث بها الخطيب، لا تكاد تخرج من فيه حتى تعلو الهيبة وجوه السامعين، وتمتد الأعناق له احتراماً.
ويقصد به: الإلقاء وحسن الإجادة فيه.
ويمكن أن نجمل هذه العناصر الثلاثة في مرحلتين:
المرحلة الأولى: إعداد الخطبة.
المرحلة الثانية: إلقاء الخطبة.